بحث

أخبار اليوم

فلسطين أصل الحكاية وكل الرواية

  • 13:17
  • 2015-05-13

 

فلسطين أصل الحكاية وكل الرواية ...   

بقلم عبد العزيز الحيلة – أبو جهاد .                                                                                                  

منذ بداية انبثاق وانتشار السلالات البشرية المختلفة في أرجاء المعمورة ، وبزوغ فجر    الإنسانية والحياة من جديد ، بعد الطوفان العظيم المدمر الذي ضرب سطح الأرض، زمن سيدنا "نوح" عليه السلام - قبل حوالي 8000 عام تقريبا ، وبعد التوزيعات الجغرافية والطبيعية والزمنية لهذه الأجناس البشرية المختلفة على مر العصور والأزمان ، وجد الشعب الفلسطيني نفسه ، مغروساً وثابتاُ ومتجذراً في عمق  هذه الأرض الطيبة المباركة – فلسطين الحبيبة ، عبر علاقة عضوية لا انفصام فيها ولا انقطاع بين الشعب والأرض والتاريخ ، فتغلغل وتعمق حب وهوى هذه الأرض في دمائنا كفلسطينيين ، وتجذر الرمل والزيتون في عيوننا، وكانت أفئدتنا تخفق بعشق البرتقال والسنابل والجبال  .                                                                                                           نكبة فلسطين المتجددة كل عام ، هي أعظم مأساة وظلم  في تاريخ البشر المعاصر ، بل هي مملكة المآسي والآلام الكبرى ، لم تبدأ نكبة فلسطين التاريخية عام 1948م ، بل بدأت إرهاصات هذه النكبة سياسيا  قبل مائتي عام ونيف ، وبالتحديد عام 1799م ، عندما هزمت وقهرت أسوار عكا العاتية الإمبراطوريات ،وأوقفت زحف نابليونوحطمت كبرياءهواستعصت عليه ، وأبت الاستسلام ،واستعدت وقاومت وانتصرت ، وأفشلت الغزاة في احتلالها بعد حصار طويل بفضل صمودها الشعبي ، فتلاشت أحلام الإمبراطورية الفرنسية بالاستيلاء على الشرق، وسحب نابليون جيشه الكبير مهزوماً مدحوراً،وعاد إلى بلاده ، ومع مرارة الهزيمة والحسرة وردات الفعل ، قرر نابليون نشر وبث بياناً ونداءً هاماً يدعو فيه كل يهود العالم  للرحيل إلى فلسطين والاستيطان هناك تحت الرعاية والحماية الفرنسية ، وبعد فترة زمنية ليست ببعيدة عن تلك الأحداث أعادت بريطانيا دعم وبناء هذه الفكرة من جديد وبالتحديد عام 1840م ، رداً على محاولة "محمد على باشا" حاكم مصر آنذاك ، توحيد مصر وسوريا تحت لواء دولة واحدة ، فقررت الدول الاستعمارية الكبرى بإجماع ، زرع جسم غريب في قلب تلك المنطقة الهامة والإستراتيجية ، يفصل المشرق العربي عن المغرب العربي ، ويضمن عدم قيام وحدة عربية ، ويساعد على ضعف دول الشرق الأوسط  بشكل دائم .

في عام 1840م  كان عدد اليهود في فلسطين 3 الآلف نسمه تقريبا ، وبدأ هذا العدد في ازدياد دائم بشكل سنوي ، بسبب التسهيلات الكبرى الممنوحة لهم من الدول الاستعمارية ، وقاموا بإنشاء المستعمرات وتنمية المشروعات الزراعية والصناعية والتجارية ، وشراء الأرضي بشكل كبير في فلسطين ، وذلك بدعم سخي من كل الجاليات اليهودية المنتشرة في أوربا ، وبالتحديد من البارون الثري اليهودي إدموند روتشيلد ، وفي عام 1878 تم أقامت أول مستوطنة يهودية زراعية على ارض فلسطين التاريخية باسم "بتاح تكفاه - بداية الأمل" وكانت تقع هذه المستوطنة على أراضي قرية ملبس العربية قضاء يافا ، وفي عام 1885 وبمستعمرة "ريشون لتسيون" تحديداً تم رفع أول علم لإسرائيل وهو العلم الحالي على ارض فلسطين التاريخية التي كانت تخضع في تلك الحقبة للحكم العثماني ، وبنفس هذا العام ظهر في أوربا  مصطلح الحركة الصهيونية ، وهدف هذه الحركة الاستيطان في فلسطين ، والصهيونية مشتقة من كلمة صهيون أحد تلال مدينة القدس ، وفي عام 1896م  نشر الصحفي اليهودي "تيودور هرتزل" أبو الدولة الصهيونية ، كتابه الدولة اليهودية ، ودعا يهود أوربا والعالم  للهجرة إلى فلسطين والاستيطان هناك وقال بان ( هذه الأرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض ) ، وفي عام 1897م عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية ، وتبنى المؤتمر برنامج تأسيس وطن قومي معترفاً به للشعب لليهودي في فلسطين ، وبدأ هرتزل بالعمل رسمياً وعلناً لتأسيس هذه الدولة ، وأجرى اتصالاته مع زعماء وقادة الدول الأوربية  للمساعدة في إنشاء ودعم وحماية هذا الكيان ، واتفقت الدول الاستعمارية الكبرى، على إقامة حاجز قوي وغريب على الجسر الذي يربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر،وزرع جسم معادي لأهل تلك البلاد ، وضمان بقاء واستمرار هذا الجسم الغريب ، أن يكون ما حوله ضعيفا ، وان أقامت دولة يهودية هناك سيكون أفضل لأوربا ، وان اليهود مقربين لنا أكثر من العرب .

وبدأت المؤامرات والخطط السرية والسيناريوهات تحاك في الظلام وتنفذ في الضوء ، حيث تم تأسيس الحرس اليهودي "هاشومير " لحماية المستعمرات اليهودية المغتصبة من الأراضي العربية ، وتظاهر اليهود في فلسطين للمطالبة بالاعتراف باللغة العبرية كإحدى لغات البلاد الرسمية أثناء حكم العثمانيين ، وفي بداية القرن العشرين بدأت النخب السياسية والإعلامية والدينية الفلسطينية والعربية والإسلامية ، تحذر من المطامع الصهيونية الواضحة في فلسطين ، وان الدولة اليهودية ستكون خنجراً ساماً في خاصرة العرب والمسلمين ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولي وانتصار دول الحلفاء ، أوصى اليهود أن توضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني لتسهيل عمل المنظمات والعصابات الصهيونية ، وإقامة المستعمرات والاستيلاء على الأراضي العربية بالقوة وتنظيم وزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتم الأخذ بهذه التوصيات في التفاهمات السرية التي جمعت بريطانيا وفرنسا أواخر عام 1915 م ، ووضعت اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916م ، فلسطين تحت إدارة دولية متفق عليها بالتشاور بين مجموعة دول الحلفاء ، وبعد عام على هذه الاتفاقية  وبالتحديد سنة 1917 م ، صدر ( وعد بلفور المشئوم - وعد من لا يملك ، لمن لا يستحق) بتأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، وحينما صدر الوعد كان عدد اليهود في فلسطين التاريخية لا يتجاوز 5 % من مجموع عدد السكان ، وبنفس العام دخلت القوات البريطانية مدينة القدس ووقعت المدينة تحت السيطرة البريطانية الكاملة ،وبدء الصهاينة بالعمل ليلاً ونهاراً من اجل تنفيذ وتحقيق هذا الوعد الظالم من خلال الإعداد والتجهيز لإقامة وطن لليهود بكل الوسائل المتاحة وبشتى الطرق والأساليب وبدعم لا محدود من الدول الكبرى ، وفي عام 1920 اتفقت مجموعة دول الحلفاء على منح منطقة فلسطين لبريطانيا العظمى بالكامل رغم المتفق عليه سابقا بإدارة دولية لهذا البلد ، وأصبحت فلسطين تحت السيادة والحكم البريطاني فقط ،وفي عام 1922 أقرت عصبة الأمم صك الانتداب البريطاني على فلسطين بشكل رسمي وعلى أساس وعد بلفور، مما ساعد وبشكل كبير على تهيئة فلسطين لتكون دولة يهودية وتوفير كل ما يلزم لذلك ، وتحت إشراف الانتداب البريطاني تم خلق إسرائيل قانونيا ، حيث سمح لليهود بالاستيلاء على الأراضي العربية وبحماية قانونية بريطانية ، وكذلك السماح لهم بتكوين عصابات عسكرية مسلحة ومنظمة ومدربة أصبحت فيما بعد نواة الجيش الإسرائيلي ، وكذلك السماح ببناء مدارس خاصة لليهود بنظام تعليم منفصل عن حكومة فلسطين ،وأيضا تكوين مجمع وزارات منفصل عن حكومة فلسطين  يشمل الطاقة والإشغال العامة والمياه ، وقامت بريطانيا بحماية الوكالة اليهودية في فلسطين ودعمها بالمساعدات العسكرية والمادية والقانونية ، وظلت البلاد على هذا الحال ثلاثة عقود من الزمان إلا قليلاً ، وشهدت هذه الفترة العصيبة مسيرات غضب وإضرابات عامة كبرى وصغري وعصيان مدني ومواجهات عسكرية ومعارك غير متكافئة بين الثوار الفلسطينيين من جهة وبريطانيا والعصابات الصهيونية من جهة أخري ، وفي الرابع عشر من مايو / أيار ، قررت الحكومة البريطانية إنهاء انتدابها على فلسطين ، وفي الساعة الرابعة عصرا من نفس اليوم ،ومن مدينة تل الربيع إعلان "ديفيد بن غوريون"  الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية، ومدير الوكالة اليهودية، وثيقة قيام إسرائيل كدوله مستقلة وذات سيادة ،وعودة الشعب اليهوديإلى أرضه التاريخية ، وتصبح هذه الوثيقة سارية المفعول منتصف الليل ، أي يوم 15 مايو/ أيار 1948م ، يوم استقلالهم يوم نكبتنا ،وما بين شجب واستنكار هنا وأدانه وغضب هناك ، وفي غصة من الزمان ضاعت فلسطين ما بين مد وجزر وحلت النكبة وجثمت الكارثة وضاعت البلاد .                                          

 ورغم السرد المؤلم وكل الفصول الدموية والأحداث العصيبة التى لا حصر لها ، ما تزل الذاكرة حية فينا ، لأنها تورث كالأرض واللغة وتنتقل من جيل إلى جيل ، حينما قال قادة وزعماء الصهاينة " غدا يموت الكبار وينسى والصغار" ، مات الكبار ولم ينسى الصغار ، فصغار اليوم يتذكرون وطنهم أكثر من كبار الأمس ، فالحقوق لا تسقط  بالتقادم يا سارقي الأرض يا مزوري التاريخ والتراث والهوية ، فتل الربيع ستبقي تل الربيع ولن تكون تل أبيب أبدا ، وأم الرشراش لن تكون إيلات ،وستبقي القدس هي القدس ولن تكون أورشليم ،وستبقى الأسماء الفلسطينية للمدن والقرى راسخة في ذهن كل طفل وكهل فلسطيني مهما طال عمر الاحتلال والذي سيكون مصيره إلى زوال ، ورغم كل ذلك بقي الشعب العربي الفلسطيني مستحضرا بكل شموخ وكبرياء ذاكرة المكان والزمان، يطور ذاته وهويته وانتمائه الأصيل للأرض، محافظا على حضارته وتراثه وثقافته الروحية والإنسانية، حاملا همومه وعذاباتهوإرادته وهويته الوطنية في كل المنافي، مسلحا بإيمانه الراسخ بحقوقه الثابتة الغير قابلة للقسمة أو النسيان، مؤمنا إيمانا راسخا بحقه الطبيعي والتاريخي والقانوني في العودة والاستقلال والحرية والديمقراطية والوحدة، يناضل من اجل إقامة دولته المستقلة مهما طال الزمن أو قصر، ومن سار على الطريق وصل ...

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين